الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
108- وقوله جل وعز: {وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص} (آية 109) روى سفيان عن جابر عن مجاهد عن ابن عباس أنه قال ما كتب لهم من خير أو شر.109- وقوله جل وعز: {ولولا كلمة سبقت من ربك} (آية 110) أي بالتأخير إلى يوم القيامة لقضي بينهم يعني في الدنيا.110- وقوله جل ذكره: {ولا تركنوا إلى الذين ظلمو فتمسكم النار} (آية 113) قال عكرمة أي تودوهم وتطيعوهم.111- وقوله جل وعز: {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل} (آية 114) قال الحسن طرفا النهار الصبح والعصر وزلفا من الليل المغرب والعشاء قال النبي صلى الله عليه وسلم هما زلفتا الليل وروى سفيان عن منصور عن مجاهد قال طرفا النهار الصبح والظهر والعصر وزلفا من الليل العشاء والعتمة وروى حجاج عن ابن جريج عن مجاهد وزلفا من الليل قال ساعة من الليل إلى العتمة وقول مجاهد الأول احسن لأنه يجتمع به الصلوات الخمس ولأن ابن عباس قال في قوله تعالى: {إن الحسنات يذهبن السيئات} يعني الصلوات الخمس وروى علقمة والأسود عن عبد الله أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني وجدت امرأة في بستان فقبلتها والتزمتها ونلت منها كل شيء إلا الجماع فافعل في ما شئت فانزل الله جل وعز: {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات} فقال معاذ بن جبل يا رسول الله أخاص له أم عام للناس فقال بل عام.والمعروف من قراءة مجاهد وزلفى بضم الزاي وبحرف التأنيث وقرأ ابن محيصن بهذه القراءة إلا أنه نون في الإدراج ويقرأ وزلفا من الليل وهو واحد مثل الحلم والقراءة المشهورة وزلفا وأنشد سيبويه:
وهو جمع زلفة وهو ساعة تقرب من أخرى ومنه الزلفة ومنه سميت مزدلفة لأنها منزلة تقرب من عرفة.112- وقوله جل وعز: {فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية} (آية 116) قيل أولوا طاعة وقيل أولو تمييز وقيل أولو حظ من الله جل وعز.113- وقوله جل وعز: {واتبع الذين ظلموا ما أترفو ولا فيه} (آية 116) قال مجاهد من تملكهم وتجبرهم وتركهم الحق.114- وقوله جل وعز: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة} (آية 118) أي على دين واحد.115- ثم قال جل وعز: {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم} (آية 119) قال أبو جعفر وهذه الآية من المشكل وقد قيل فيها أقوال روى عبد الكريم الجزري عن مجاهد انه قال وللرحمة خلقهم وكذلك قال قتادة وروي عن الحسن فيها أقوال منها أنه قال وللاختلاف خلقهم ومنها أنه يقال وللرحمة خلقهم ومنها أنه قال خلقهم للجنة والنار والشقاء والسعادة وقيل هذا القول الذي عليه أهل السنة وهو أبينها وأجمعها والذي رواه عبد الكريم عن مجاهد ليس بناقض له لأنه قد بينه حجاج في روايته عن ابن جريج عن مجاهد انه قال في قول الله جل وعز: {ولا يزالون مختلفين} قال أهل الباطل إلا من رحم ربك قال أهل الحق ولذلك خلقهم قال للرحمة خلق أهل الجنة قال أبو جعفر فهذا قول بين مفسر ومن قال أيضا خلقهم للاختلاف فليس بناقض لهذا لأنه يذهب إلى ان المعنى وخلق أهل الباطل للاختلاف وأبينها قول الحسن الذي ذكرناه ويكون المعنى ولا يزال أهل الباطل مختلفين في دينهم إلا من رحم الله وأهل الإسلام لا يختلفون في دينهم ولذلك خلق أهل السعادة للسعادة وأهل الشقاء للشقاء وبين هذا قوله جل وعز: {وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} (آية 119) وقيل التقدير ينهون عن الفساد في الأرض ولذلك خلقهم.116- وقوله جل وعز: {وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك} (آية 120) أي تزيدك به تثبيتا كما قال جل ذكره قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي.117- ثم قال جل وعز: {وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين} (آية 120) قال أبو موسى وابن عباس والحسن ومجاهد في هذه الحق في هذه السورة وقال شعبة سمعت قتادة يقول في هذه الدنيا وهذا القول حسن إلا أنه يعارض بان ذلك يقال قد جاءه الحق في هذه السورة وغيرها وإن كان هذا لا يلزم لأنه لم ينف شيئا ألا ترى أنه يقال فلان في الحق إذا جاءه الموت ولا يراد به انه كان في باطل فتكون هذه السورة خصت بهذا توكيدا لما فيها من القصص والمواعظ.118- وقوله جل وعز: {وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون} (آية 121) أي عاملون ما أنتم عليه وهذا تهديد ووعيد ألا ترى ان بعده وانتظروا إنا منتظرون إلى قوله وما ربك بغافل عما تعملون تمت سورة هود. اهـ. .قال الفراء: ومن سورة هود:قوله: {الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ} [1]. رفعت الكتاب بالهجاء الذي قبله، كأنك قلت: حروف الهجاء هذا القرآن. وإن شئت أضمرت له ما يرفعه كأنك قلت: الر هذا الكتاب. وقوله: {ثُمَّ فُصِّلَتْ} بالحلال والحرام. والأمر والنهى. لذلك جاء قوله: {أَلَّا تَعْبُدُوا} [2] ثم قال: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} [3]. أي فصّلت آياته ألّا تعبدوا وأن استغفروا. فأن في موضع نصب بإلقائك الخافض. وقوله: {أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ} [5].نزلت في بعض من كان يلقى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بما يحبّ، وينطوى له على العداوة والبغض. فذلك الثنى هو الإخفاء. وقال اللّه تبارك وتعالى ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم اللّه ما يخفون من عداوة محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم.حدّثنا محمد قال حدّثنا الفرّاء قال: وحدّثنى الثقة عبد اللّه بن المبارك عن ابن جريج عن رجل أظنّه عطاء عن ابن عبّاس أنه قرأ: {تثنونى صدورهم} وهو في العربيّة بمنزلة تنثنى كما قال عنترة:وهو من الفعل: افعوعلت.وقوله: {وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها} [6] فمستقرّها: حيث تأوى ليلا أو نهارا. ومستودعها: موضعها الذي تموت فيه أو تدفن.وقوله: {لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا ساحر مبين} [7].{وسِحْرٌ مُبِينٌ}. فمن قال: {ساحر مبين} ذهب إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من قولهم. ومن قال: {سِحْرٌ} ذهب إلى الكلام.حدّثنا محمد قال حدّثنا الفرّاء قال: وحدّثنى أبو إسرائيل عن الأعمش عن أبى رزين عن عبد اللّه بن مسعود أنه قرأ في ثلاثة مواضع ساحر: في آخر المائدة وفي يونس وفي الصفّ.قال الفراء: ولم يذكر الذي في هود. وكان يحيى بن وثّاب يقرأ في أربعة مواضع ويجعل هذا رابعا يعنى في هود. وقوله: {إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا} [11] في موضع نصب بالاستثناء من قوله: {وَلَئِنْ أَذَقْناهُ} يعنى الإنسان ثم استثنى من الإنسان لأنه في معنى الناس، كما قال تبارك وتعالى: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} فاستثنى كثيرا من لفظ واحد لأنه تأويل جماع.وقوله- عزّ وجلّ-: فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ [12].يقول: يضيق صدرك بما نوحيه إليك فلا تلقيه إليهم مخافة أن يقولوا: لولا أنزل عليك كنز. فأن في قوله: {أَنْ يَقُولُوا} دليل على ذلك. وهى بمنزلة قوله: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} و{من} تحسن فيها ثم تلقى، فتكون في موضع نصب كما قال- عز وجل: {يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ} ألا ترى أن {من} تحسن في الحذر، فإذا ألقيت انتصب بالفعل لا بإلقاء {من} كقول الشاعر: وقوله: {قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ} [13] ثم قال جلّ ذكره: {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ} [14] ولم يقل: لك وقد قال في أوّل الكلام (قل) ولم يقل: قولوا وهو بمنزلة قوله: {عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ}.وقوله: {مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها} [15] ثم قال: {نُوَفِّ} لأن المعنى فيها بعد كان. وكان قد يبطل في المعنى لأن القائل يقول: إن كنت تعطينى سألتك، فيكون كقولك: إن أعطيتنى سألتك. وأكثر ما يأتى الجزاء على أن يتّفق هو وجوابه. فإن قلت: إن تفعل أفعل فهذا حسن. وإن قلت: إن فعلت أفعل كان مستجازا. والكلام إن فعلت فعلت. وقد قال في إجازته زهير: وقوله: {وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ} يقول: من أراد بعمله من أهل القبلة ثواب الدنيا عجّل له ثوابه ولم يبخس أي لم ينقص في الدنيا.وقوله: {أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ} [17] فالذى على البيّنة من ربّه محمد صلّى اللّه عليه وسلم. وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ يعنى جبريل عليه السلام يتلو القرآن، الهاء للقرآن.وتبيان ذلك: ويتلو القرآن شاهد من اللّه {وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى} رفعت الكتاب بمن.ولو نصبت على: ويتلو من قبله كتاب موسى {إِمامًا} منصوب على القطع من {كِتابُ مُوسى} في الوجهين. وقد قيل في قوله: {وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ}: يعنى الإنجيل يتلو القرآن، وإن كان قد أنزل قبله. يذهب إلى أنه يتلوه بالتصديق. ثم قال: ومن قبل الإنجيل كتاب موسى.ولم يأت لقوله: {أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} جواب بيّن كقوله في سورة محمد صلّى اللّه عليه وسلم: {أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ} وربما تركت العرب جواب الشيء المعروف معناه وإن ترك الجواب قال الشاعر: وقال اللّه- تبارك وتعالى وهو أصدق من قول الشاعر-: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ} فلم يؤت له بجواب واللّه أعلم. وقد يفسّره بعض النحويّين يعنى أن جوابه: {وهم يكفرون ولو أنّ قرآنا} والأوّل أشبه بالصواب. ومثله: {وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ} {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} وقوله في الزمر: {أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِدًا وَقائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ} ولم يؤت له بجواب. وكفى قوله: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} من ذلك. فهذا ممّا ترك جوابه، وكفي منه ما بعده، كذلك قال في هود: {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا} ولم يقل: هل يستوون. وذلك أن الأعمى والأصمّ من صفة واحد والبصير والسّميع من صفة واحد كقول القائل: مررت بالعاقل واللبيب وهو يعنى واحدا. وقال الشاعر: قال: أيّهما وإنما ذكر الخير وحده لأن المعنى يعرف: أن المبتغى للخير متّق للشرّ وكذلك قول اللّه جل ذكره: {سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ} أي وتقى البرد. وهو كذلك وإن لم يذكر.وقوله: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} فيقال: من أصناف الكفّار. ويقال: إن كلّ كافر حزب.وقوله: {وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ} [20].هم رءوس الكفرة الذين يضلّون. وقوله: {ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ} على وجهين. فسّره بعض المفسّرين: يضاعف لهم العذاب بما كانوا يستطيعون السّمع ولا يفعلون. فالباء حينئذ كان ينبغى لها أن تدخل، لأنه قال: {وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ} في غير موضع من التنزيل أدخلت فيه الباء، وسقوطها جائز كقولك في الكلام: بأحسن ما كانوا يعملون وأحسن ما كانوا يعملون. وتقول في الكلام: لأجزينّك بما عملت، وما عملت. ويقال: ما كانوا يستطيعون السّمع وما كانوا يبصرون: أي أضلّهم اللّه عن ذلك في اللوح المحفوظ.وقوله: {لا جَرَمَ أَنَّهُمْ} [22] كلمة كانت في الأصل بمنزلة لابد أنّك قائم ولا محالة أنّك ذاهب، فجرت على ذلك، وكثر استعمالهم إيّاها، حتّى صارت بمنزلة حقّا ألا ترى أن العرب تقول: لا جرم لآتينك، لا جرم قد أحسنت. وكذلك فسّرها المفسّرون بمعنى الحقّ. وأصلها من جرمت أي كسبت الذنب وجرّمته. وليس قول من قال إن جرمت كقولك: حققت أو حققت بشئ وإنما لبّس على قائله قول الشاعر: فرفعوا (فزارة) قالوا: نجعل الفعل لفزاره كأنه بمنزلة حقّ لها أو حقّ لها أن تغضب وفزارة منصوبة في قول الفراء أي جرمتهم الطعنة أن يغضبوا.ولكثرتها في الكلام حذفت منها الميم فبنو فزارة يقولون: لا جر أنك قائم. وتوصل من أوّلها بذا، أنشدنى بعض بنى كلاب: هدر المعنّى ذى الشقاشيق اللهم وموضع أن مرفوع كقوله: وقوله: {وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ} [23].معناه: تخشّعوا لربّهم وإلى ربّهم. وربّما جعلت العرب (إلى) في موضع اللام. وقد قال اللّه عزّ وجلّ: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها} وقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا} وقال: {يَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطًا مُسْتَقِيمًا} وقال: {فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ} وقد يجوز في العربيّة أن تقول: فلان يخبت إلى اللّه تريد: يفعل ذلك بوجهه إلى اللّه لأن معنى الإخبات الخشوع، فيقول: يفعله بوجهه إلى اللّه وللّه. وجاء في التفسير: وأخبتوا فرقا من اللّه فمن يشاكل معنى اللام ومعنى إلى إذا أردت به لمكان هذا ومن أجل هذا.وقوله: {ما نَراكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا} [27] رفعت الأراذل بالاتّباع وقد وقع الفعل في أوّل الكلام على اسمه. ولا تكاد العرب تجعل المردود بإلّا إلا على المبتدأ لا على راجع ذكره. وهو جائز. فمن البيّن الذي لا نظر فيه أن تقول: ما قام أحد إلّا زيد. وإن قلت: ما أحد قام إلا زيد فرفعت زيدا بما عاد في فعل أحد فهو قليل وهو جائز. وإنما بعد على المبتدأ لأنه كناية، والكناية لا يفرق فيها بين أحد وبين عبد اللّه، فلمّا قبح أن تقول: ما قام هو إلّا زيد، وحسن: ما قام أحد إلا زيد تبيّن ذلك لأن أحدا كأنّه ليس في الكلام فحسن الردّ على الفعل. ولا يقال للمعرفة أو الكناية أحد إذ شاكل المعرفة كأنه ليس في الكلام ألا ترى أنك تقول ما مررت بأحد إلا بزيد (فكأنك قلت: ما مررت إلا بزيد) لأن أحدا لا يتصوّر في الوهم أنه معمود له. وقبيح أن تقول: ليس أحد مررت به إلّا بزيد لأن الهاء لها صورة كصورة المعرفة، وأنت لا تقول: ما قمت إلا زيد فهذا وجه قبحه. كذلك قال: {ما نَراكَ} ثم كأنه حذف {نراك} وقال: {ما اتّبعك إلا الذين هم أراذلنا} فان على هذا ما ورد عليك إن شاء اللّه: {بادِيَ الرَّأْيِ} لا تهمز {بادِيَ} لأن المعنى فيما يظهر لنا ويبدو. ولو قرأت {بادئ الرأى} فهمزت تريد أوّل الرأى لكان صوابا. أنشدنى بعضهم: فلم يهمز ومثله مما تقوله العرب في معنى ابدأ بهذا أوّل، ثم يقولون. ابدأ بهذا آثرا ما وآثر ذى أثير وأثير ذى أثير وإثر ذى أثير، وابدأ بهذا أوّل ذات يدين وأدنى دنىّ. وأنشدونا: وقوله: {بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ} [27] مثل قوله: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ} لأنهم كذّبوا نوحا وحده، وخرج على جهة الجمع، وقوله: {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ} فلكم أريد بها النبي صلّى اللّه عليه وسلم. وقوله: {فَاعْلَمُوا} ليست للنبى صلّى اللّه عليه وسلم. إنما هى لكفّار مكّة ألا ترى أنه قال: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}. وقوله: {وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ} يعنى الرسالة. وهى نعمة ورحمة. وقوله: {فعمّيت عليكم} قرأها يحيى بن وثّاب والأعمش وحمزة. وهى في قراءة أبىّ {فعمّاها عليكم} وسمعت العرب تقول: قد عمّى علىّ الخبر وعمى علىّ بمعنى واحد. وهذا ممّا حوّلت العرب الفعل إليه وليس له، وهو في الأصل لغيره ألا ترى أن الرجل الذي يعمى عن الخبر أو يعمّى عنه، ولكنّه في جوازه مثل قول العرب: دخل الخاتم في يدى والخفّ في رجلى، وأنت تعلم أن الرجل التي تدخل في الخفّ والأصبع في الخاتم. فاستخفّوا بذلك إذا كان المعنى معروفا لا يكون لذا في حال، ولذا في حال إنما هو لواحد. فاستجازوا ذلك لهذا. وقرأه العامّة: {فعميت} وقوله: {أَنُلْزِمُكُمُوها} العرب تسكّن الميم التي من اللزوم فيقولون: أنلزمكموها. وذلك أن الحركات قد توالت فسكنت الميم لحركتها وحركتين بعدها وأنها مرفوعة، فلو كانت منصوبة لم يستثقل فتخفّف. إنما يستثقلون كسرة بعدها ضمة أو ضمة بعدها كسرة أو كسرتين متواليتين أو ضمّتين متواليتين. فأمّا الضمّتان فقوله: {لا يَحْزُنُهُمُ} جزموا النون لأن قبلها ضمة فخفّفت كما قال: {رسل} فأمّا الكسرتان فمثل قوله الإبل إذا خفّفت. وأمّا الضمّة والكسرة فمثل قول الشاعر: وإن شئت تقطّع. وقوله في الكسرتين: يريد صاحبى فإنما يستثقل الضمّ والكسر لأن لمخرجيهما مؤونة على اللسان والشفتين تنطمّ الرفعة بهما فيثقل الضمّة ويمال أحد الشّدقين إلى الكسرة فترى ذلك ثقيلا. والفتحة تخرج من خرق الفم بلا كلفة.
|